الخميس، 2 ديسمبر 2010

أزمة الكهرباء فى قريتى

كانت جدتى - رحمها الله -  تملك فى بيتها شيئا يشبه الكوز وهو قدر كف يد الانسان ، وكان هذا الكوز يشبه فى تكوينه زجاجة زيت أو بالاحرى زجاجة كلور لتنظيف الاطباق ، فكان له فتحة من أعلى تقرب ناحيتها عود كبريت مشتعلا فيضىء هذا الكوز البيت لان بداخله كان يوجد غاز .
ولذلك كان اليوم -  ليلا نهارا - عند جدتى مضيئا ان لم يكن بالكهرباء فبكوز الغاز هذا والذى لا أتذكر له اسما .
نحن الآن فى قرية ريفا بمحافظة أسيوط نحتاج لهذا الكوز احتياجا كبيرا ، لان الكهرباء عندنا تنقطع عنا لمدة تناهز النصف يوم ( 12 ساعة ) يوميا ، من الساعة التاسعة صباحا الى الساعة السادسة مساء أى وقت النهار كله  والذى معروفا عنه فى الشتاء أنه وقت العمل حيث لا سهرا فى الليل كما أنه فى قريتى ينام الكل مبكرا فهى ليست كما رأيت فى القاهرة مثلا حيث الصخب والدوشة 24 ساعة  ، كنت أفتكر أن هذا مجرد عطل وكان هذا الافتكار يحرق دمى كثيرا . لكن عندما رأيت ما رأيته البارحة احترق دمى أكثر .
حيث أنى أعيش بمنطقة تدعى العزبة مكونة من بضع شوارع ، كنت حينها نازلا للبلد أقضى بعض الحاجيات رغم انقطاع الكهرباء ، وكان الضياء الوحيد الذى يضىء لنا الطريق هو كشافات العربات أو أضواء الموبايلات الخافتة . أما عن كشافات العربات الميكروباص فهى كثيرا ما تعوق السير خاصة لمرتديى العوينات مثلى :)) أما كشافات الموبايلات فمن كثرة استخداماتها وجدنا الموبايلات فصلت الشحن . كما أنه والادهى أنى حينها لم يكن يصلح أن أمسك بأى موبايلات لآنى كنت أدفع (  العربانة أو البراويته ) - وهى عربة تدفع لتسهيل نقل الاشياء الثقيلة - بكلتا يدى .
المهم عندما اقتربت من محول الكهرباء الخاص بمنطقتنا ،  وجدت عامل المجلس المحلى يرفع سكينة الكهرباء وكأنه اعتاد على هذا العمل ، حيث فتح المحول بمفاتيحه ووضع يده فيه لمدة ثانية أو ثانيتين وعبث بشىء بسيط ، ومن ثم أضاءت الكهرباء الشوارع والبيوت وهلل الاطفال قائلين ( النور ولع وأنا نفسى اتدلع ) والناس الكبار أيضا هللوا .
هذا الحدث يتكرر يوميا للأسف ، وأتضايق كثيرا عندما أجد الناس فرحة ومهللة بسطوع النور فى الليل الذى يكاد لا يعملون به شيئا ، أما النهار فلا أحد يقول شيئا أو يتكلم الى المسئولين ، بل كلها شكاوى من أحدهم الى أحدهم وكأن المسئولين ليسوا بموجودين ، أو كأن هؤلاء المسئوليين ( الحكومة ) تمنحنا هذا الضياء بدون مقابل ودورنا هو أن نشكرهم عند الضياء ونعذرهم عند الظلام نظرا لمشغولياتهم العظيمة .
هذه هى مصيبة شعب قريتنا ، بل هى الطامة الكبرى ، فكيف اذن يكون يومهم ، وهل تتوقف أنشطتهم لمجرد أن المسئولين فى القرية خائفين من ( بوظان ) المحولات الكهربية ، نعم فقد قيل السبب أنه هو ذلك ال ( بوظان ) .
أتذكر عندما كنت طالبا فى الثانوية العمشاء منذ سنتين أوأقل أنه اجتاحت منطقة قرى مركز أسيوط أى قريتنا والقرى المحيطة بها ( عفرتة ) انقطاع الكهرباء . وكانت أيام الامتحانات حيث لا يوجد طالب لا يذاكر  . وكان السبب أيضا الخوف من ( بوظان ) المحولات حيث أنها محولات قديمة والضغط عليها كبير . المهم أن كل القرى المحيطة بنا قدمت شكواها الى المسئولين فى المحافظة ، وعلى الرغم من بقائهم أسبوعا فى شكواهم الا أنهم نالوا ما طلبوه . أما قريتنا فقبعت فى الظلام  مدة شهر كامل . الى أن تحنن علينا المسئولون وأعطونا منتهم العظيمة ألا وهى الكهرباء .
عندما كنت أدرس الكيمياء فى الثانوية العمشاء قال لى الاستاذ : بفضل هذه التكنولوجيا المتقدمة من تبريد المواد وتوصيل درجة حرارتها الى درجات حرارة قريبة من أو تساوى الصفرالمطلق ( صفر كالفن = - 273 درجة سليزيوس " مئوية " ) لا تعيش نيويورك الا فى نهار دائم ، حيث أنه بعض المواد أشباه الموصلات فى هذه الدرجة لا تفقد أى تيارات كهربائية  فى المقاومة لهذه التيارات لأن مقاومتها الكهربية حينئذ تساوى صفرا . وفى مرة انقطع التيار الكهربائى عن احد شوارعها ،  قامت الدنيا هناك ولم تقعد الا عند تدارك الخطأ فى حوالى سبع دقائق ، وظل المواطنون يشكون من هذه السبع دقائق المظلمة كثيرا . لدرجة مجازاة المخطئين ، بسبب سبع  دقائق فقط .


رسالة مقتضبة الى المسئولين : -
اتقوا الله وارحموا هذا الشعب الذليل ، أنا لا أقول ألا تصدروا الغاز الطبيعى الى اسرائيل ، ولكنه هناك مثلا شعبيا يقول : الحى أبدى (و ربما أبقى ) من الميت . فمنوا على شعوبكم أيتها الالهة . واشتروا محولات كهربية جديدة بدل القديمة ووجع القلب الصادر منها ان كان السبب هو كثرة الضغط عليها .


قيل عن كونفوشيوس الحكيم الصينى الشهير : -
أنه خرج وتلاميذه مرة الى الصحراء باحثين عن الكمال والجمال كطبيعتهم وكعادتهم ، فوجدوا امرأة  هى أقرب الى الشبح من الانسان وسألوها : مالك يا امرأة ؟ ردت المرأة : لقد مات زوجى وابناى وأنا الآن وحيدة لا أدرى ماذا أفعل . فسألها كونفوشيوس : وما الذى أتى بكم الى هنا أساسا فى هذه الصحراء المقفرة والمليئة بالوحوش المخيفة الضارية ؟ ولماذا أيضا مازلت ساكنة لها ؟ ردت المرأة وقالت بسبب الحكومة و ظلمها يا سيدى . هنا قال كونفوشيوس لتلاميذه : اكتبوا هذا ( الحكومات الظالمة أقسى من الوحوش الضارية القاتلة ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق