الخميس، 17 يناير 2019

إجاباتي عن إذا أردت الدخول بالمسيحية فأي طائفة سأختار وأسئلة أخرى

منذ حوالي ثلاثة أيام من وقت كتابة هذه السطور أتاني إشعار في موقع حسوب IO، كان محتواه أن أحدهم علق على موضوع يحمل عنوان "إذا أردت الدخول بالمسيحية فأي طائفة سأختار ؟!" بأجوبته الخاصة وفي ذيل إجاباته ذكر إسمي في ذلك التعليق كمسيحي متعمق إلى حد ما أستطيع أن أجيب على معظم الأسئلة المطروحة بموضوعية وبسهولة ومن وجهة نظر مسيحية بحتة، عملا بالمثل القائل "أهل مكة أدرى بشعابها"! لم أكتب ردا حتى اﻵن ﻷني كنت مشغولا في اليومين الماضيين، لكن هذا لم يزح عني الإحساس بتأنيب الضمير حسب فهمي للآية القائلة "من يعرف أن يعمل حسنا ولا يفعل، فهذا خطية له." وﻷن الموضوع خطير نوعا ما، والإجابة ستكون طويلة رغم أني لا أحب الإجابات الموسوعية، خاصة في الأمور الدينية، سألت نفسي أن أكتب الإجابة هنا في مدونتي، وأن أكتفي بالإشارة إليها هناك في الموقع المذكور أعلاه، ولحسن الحظ وافقت نفسي! دعنا نبدأ بتفصيل المنشور والإجابة عليه جزء جزء..

سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته
اولا ويعلم الله ويشهد الله على ما بقلبي ان الغرض من الاسئلة هو فقط من باب العلم بالشئ ليس إلا، ولا اهدف لاثارة اي فتنة او بلبلة ، كما ارجوا ممن يريد ان يشارك بالحوار عدم اخذ الموضوع لمسلك او طريق اخر
اسئلتي موجهة فقط للاخوة المسيحيين وياحبذا لو يوجد قساوسة هنا للاجابة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أوكي ولا يهمك، مع أني لا أظن أنه يوجد قساوسة بموقع حسوب.

 أولاً : إذا أردت الدخول للمسيحية فأي طائفة سأختار؟! فالمسلمين يوجد منهم سنة شيعة وغيرها، ولاحظوا ان قلت يوجد منهم ولم اقل يوجد بالاسلام فالفرق واضح بين الحالتين ، حيث ان الاسلام لم يأتي بطوائف ولايوجد بالاسلام نهائياً سواء قرآن او سنة نبوية اي تشريع للطوائف
دعني أستخدم ألفاظك في ردي على هذا السؤال، وذلك ليكون الأمر سهلا علي وعليك، دعني فقط أبدل بعض الكلمات لتتماشى مع المسيحية:
المسيحيين يوجد منهم أرثوذكس، كاثوليك، بروتستانت وغيرها، ولاحظوا اني قلت يوجد منهم ولم اقل يوجد بالمسيحية فالفرق واضح بين الحالتين، حيث ان المسيحية لم تأتِ بطوائف ولا يوجد بالمسيحية نهائياً سواء بالعهد القديم او بالعهد الجديد اي تشريع للطوائف.
يستكمل السائل هذه النقطة قائلا:
وسبب هذا السؤال ان رايت مقطع على تويتر لاحد القساوسة يخطب بالكنيسة ويبدو من اسلوبه العنصرية حيث يحرم زيارة طائفة البروتستانت
 للأسف، يخرج علينا بين الحين واﻵخر رجل دين مسيحي، وللأسف الأكبر من الطائفة التي ولدت عليها "الأرثوذكسية" يشتم الناس من كلامه رائحة عنصرية كريهة، ولو إدعى العكس وأن هذا للحفاظ على العقيدة أو ﻷي سبب آخر، عموما لا أحب مثل هذه الأراء على الإطلاق، وإن كانت منتشرة تحت السطح بطريقة ليست بسيطة، لكني إستهجنها ويستهجنها الكثيرون من الشباب المستنير!

دعني أخبرك برأيي في إرسالية المسيح والرسل أيام الكنيسة الأولى، أعتقد أن المسيح لم يقصد على الإطلاق أن ينشيء دينا، فهو بالفعل لم ينادِ بدين جديد، ولا حتى رسله، ولا حتى بولس الرسول الذي يدعي الكثير من المحاورين المسلمين ومنهم على ما أظن الشيخ أحمد ديدات أنه منشيء المسيحية، وهو من هذا بريء، لا أذم بالطبع إنشاء المسيحية، فالمسيحية وجدت بعد أن لفظتها اليهودية في القرن الأول، فقد عاش الرسل والمسيحيون الأوائل كطائفة يهودية ثورية، كانوا يقومون بنفس ما يقوم به اليهود الطبيعيون، لهم نفس الواجبات والحقوق، ماعدا أنهم كانوا مضطهدين بعض الشيء من اليهود أنفسهم، ومكروهين في معظم الأنحاء بالولايات الرومانية على أساس أنهم يهود، لم تظهر المسيحية كدين إلا في نهاية القرن الأول أو في بدايات القرن الثاني، فقط بعد أن لفظتها اليهودية. ففكرة الأديان والطوائف لم تكن على الإطلاق في ذهن السيد المسيح عندما كان ينادي ببشارة الإنجيل، بل كل ما كان يتوق إليه أن يعيد للإنسان كرامته وعلاقته المفقودة بالله جابله.

دعنا نرى السؤال الثاني:
ثانياً : من هو المسيحي الحقيقي؟ هو من يؤمن بأن المسيح هو الله، او هو ابن الله، او هو نبي؟ وأيضاً من هو يؤمن بأن المسيح صلبّ او حيّ
 المسيحي الحقيقي يا صديقي هو من يؤمن بأن يسوع المسيح هو المخلص الذي خلصه من خطاياه، هو الذي يؤمن بأن بتجسد المسيح وصلبه وقيامته إستعاد الإنسان علاقته الجميلة السعيدة مع الله جابله، وذلك عن طريق إختيار طريق الحياة، ليحيا هذا الإنسان مع الله إلى الأبد، هو من يؤمن بأن يسوع المسيح على الصليب قد دفع كامل ثمن خطايا الجنس البشري كله، وما ينتظره من كل إنسان على حده هو أن يؤمن بصحة هذه الفدية وفعاليتها الكاملة في إعادة النفوس الهالكة لله.

لابد أن يؤمن المسيحي أيضا بأن المسيح نبي، لكنه أعظم من مجرد نبي.

أما عن فكرة أن المسيح الله أو ابن الله، فكلمة ابن هنا ليست حرفية، ولا أظن أن أي لغة في العالم تصلح ﻷن توضح هذه الفكرة، لكن دعنا نشبه الأمر مع الفارق بالطبع في التشبيه:
الإنسان إنسان، وابن الإنسان إنسان
هكذا أيضا
فالله هو الرب، وابن الله هو الرب أيضا
مع الوضع في الإعتبار أن الله وابن الله هما كيان واحد لا ينفصم ولا ينفصل مثل الإنسان وابنه، وبهذا يكون هناك ربا واحدا للجميع هو الله هو يسوع هو المسيح هو الروح القدس، كل هؤلاء هم واحد.

ثالثاً : بالمسيحية الرهبان بحد علمي لايتزوجون ولا ينجبون، حسناً بالنسبة لمن يؤمن بان المسيح هو ابن الله ، اذن هذا يعني ان الراهب اعلى من الله! ، فالله تزوج بينما الراهب لا يتزوج
 يتحدث السائل عن الأمر وكأن الزواج خطيئة أو أنه مكروه دينيا أو أنه شيء دنس، بل بالعكس فهو على النقيض تماما، وإلا لما كنت أتجهز اﻵن لحفل زفافي الشهر المقبل (الله يبارك فيكم والعقبى لكم أو ﻷولادكم!) الراهب لا يتزوج ﻷنه يريد الإنحلال من الكل والإرتباط بالواحد، ليس ﻷن في الزواج دناسة أو نجاسة لا سمح الله. أما عن أن المسيح هو ابن الله فكما أجبت عن السؤال السابق، لا تأخذ الأمر على محمل حرفي، فإن قلنا أن النور ابن اللمبة فإن اللمبة لم تتزوج ولم تلد لكن إنبثق منها النور، وإن قلنا بنت الشاطيء فلا نقصد أن الشاطيء تزوج وأنجب السيدة الكاتبة عائشة عبد الرحمن، وإن قلنا هذه الفكرة من بنات أفكاري فلا أكون أنا جدا للفكرة، ولا حتى أخا لجدها! وهكذا الأمثلة كثيرة ومتعددة مع الفارق في التشبيه بالطبع.

رابعاً: كيف اتخذ من الصليب شعاراً لي؟ هل اذا قتل احدهم فرداً من عائلتك بسكين هل يعقل ان تتخذ السكين شعارا له كي يذكره بالحادثة؟
ذكرت فيما تقدم أن يسوع المسيح مات من أجل أن يدفع ثمن خطاياي وخطاياك عزيزي القاريء وخطايا الجنس البشري بأكمله، لن أتخذ السكين شعارا إن قتل بها أحد من عائلتي بعد الشر! لكن الفكرة تتضح بعض الشيء عندما أخبرك بأنه لولا موت المسيح على الصليب لكنت أنا وأنت وكلنا جميعا هالكين اﻵن، فلولا الصليب ما كان لنا أمل في النجاة، ولولا أداة الموت البشعة هذه ما كان لنا حياة، ولهذا نبجل نحن المسيحيون الصليب كثيرا.

خامساً : بخصوص الجزئية الاخيرة من النقطة الاولي فقد اضاف القسيس ايضاً انه من يزور البروتستانت محروم من التناول هو وعائلته، فما هو التناول؟! وايضا ما ذنب عائلته، بالاسلام وبالقران الكريم يقول ولا تزر وازرة وزر اخري، فمثلا اذا اخطأ الاب واذنب فان عائلته لا تحتسب بذنبه ، نقطة اخري هل هذا يعني انه غير مسموح نهائيا التعامل مع طائفة تؤمن بمعتقدات غير معتقدات طائفتي؟ وان اذا قمت بخلاف ذلك فان ذلك يعتبر حرام؟ واني اذنبت؟
التناول بإختصار هو الأكل من جسد الرب يسوع والشرب من دمه، بالطبع يحدث هذا عن طريق قطعة صغيرة جدا من الخبز (قطعة قربان صغيرة) ورشفة بسيطة من عصير العنب، يؤمن معظم المسيحيين في العالم أنه خلال صلوات القداس يتحول الخبز والعصير لجسد حقيقي ودم حقيقي ليسوع المسيح وإن لم تتغير هيئتهما! يتناول المسيحيون تنفيذا لوصية السيد المسيح بعدما فعل هو نفسه هذا الشيء (كسر الخبز وقسمه على تلاميذه وأعطاهم عصير عنب ليشربوه) عندما قال "إصنعوا هذا لذكري".. تتلخص فلسفة التناول ببساطة في أن المسيح هو الذبيح الأعظم الذي ذبح من أجل خطايانا، ومعروف في العهد القديم أن الذبائح كان لمقدمها بعض الأنصبة منها ليأكلها، هكذا نفس الشيء مع يسوع المسيح الذي ذبح ﻷجل البشرية جمعاء على الصليب في أورشليم القدس.
سادساً : اي نسخة من الانجيل يجب ان اؤمن بها او اتبعها فيوجد عدة نسخ من الانجيل
Guess what: كل ما تعتقد أنه عدة نسخ من الانجيل موجودة في كتاب واحد يدعى الكتاب المقدس، ينقسم الكتاب المقدس تاريخيا لعهد قديم وعهد جديد، أي قبل ميلاد يسوع وصلبه وقيامته وبعده، يتآلف العهد الجديد بدوره من مجموعة من الأسفار أو الكتب الفرعية، أول أربع كتب منه هي عبارة عن أناجيل وهي بالترتيب متى، مرقس، لوقا ويوحنا. وتليها بعض الكتب الأخرى، ما تعتقد أنه أناجيل متضاربة ومناهضة ليعضها البعض ما هو إلا أجزاء من كلام ربنا لنا، هي تماما بالضبط كما السور في القرآن الكريم، مجرد أجزاء يتآلف منها المصحف، ليست كتب منفصلة.

سابعاً : سمعت مقولة والله أعلم بصحتها وهي ان يوجد طوائف من كرهها الشديد لطائفة اخري ان بالنسبة لهم اهون عندهم الدخول للاسلام ولا يدخل بهذه الطائفة فما صحة تلك المقولة؟َ
 مؤكد هذه المقولة مبالغ فيها، مع أني لا أستبعدها تماما، قد تكون الفكرة أن بعض الناس ضيقي الأفق والصدر ممن يعتبرون أن طائفة معينة على ضلال قد يساوون بينها وبين الإسلام مثلا أو الإلحاد أو عبادة الشيطان أو غيرها، هذا تفسيري للمقولة، لكني لم أصادف أحدا يبالغ لمثل هذه الدرجة.


أخيراً أكرر واقول ويشهد الله على ما بقلبي ان الاسئلة فقط من باب العلم بالشئ ولا اهدف لاثارة اي بلبلة او فتنة.
تمام ولا يهمك يا صديقي، وأتمنى أن أكون قد وفقت في عرض أسئلتك والإجابة عنها.

في النهاية وإن أردت الإستزادة أكثر عزيزي السائل والقاريء ، قد يفيدك قراءة كتاب ترجمته حديثا بعنوان من تقولون أني أنا؟